كنت أزمع كتابة هذه القصة منذ أكثر من عام ووضعت المقدمة في منتدى عبد الرحمن يوسف وفقط لم أكتب فيها حرفا واحدا بعد ، حتى وجدتني فجأة أريد كتابة هذه القصة فكانت كالتالي وليس عندي أي خطة لا لإنهائها ولا لشكلها ولا كيف تسير وهل أكتفي بكونها قصة قصيرة أم مسلسلة أم رواية ، المهم أني بدأت وهذا كان أصعب ما في الموضوع ، أتمنى أن تعجبك يا زائر مدونتي:
دعاني لتناول الإفطار معه ، لم أستطع أن أرفض خاصة بعد إلحاحه الشديد ، وقد وعدته آنفا أن ألبي رغبته ولما آذن الشهر الفضيل على المغيب لم يكن بد من إجابة دعوته المعلقة ، في الحقيقة أستمتع بحديثه جدا وبحكاياته الممتعة ، هو صياد ذو ملامح مصرية صميمة طيب القلب جدا ، له قارب في ترعة الإسماعيلية صغير لكنه مصدر رزقه ورزق أولاده ، منذ فترة طويلة وقد استوطن هذه المنطقة أسفل كوبري المظلات وجعلها محلا لعمله ، في الحقيقة لا يوجد له مكان محدد هو يسير بقاربه في ترعة الإسماعيلية من المظلات حتى مسطرد حتى الكوبري الدائري ، لكنه دائما يعود إلى هذه المنطقة ، يقول إنها يرتاح لها نفسيا ، وأن الرزق فيها وفير ، أعرفه منذ سنوات طويلة وأستمتع بصحبته وحديثه ، هو أمين في زمن عز فيه الأمناء وصادق الحديث وطيب القلب جدا ، وفيه شهامة المصريين المأثورة ، تجده أول القافزين في الماء بثيابه لو وجد أحدا على شفا الإغراق ، وتجده أسرع الهابين لنجدة فتاة عاكسها أحدهم أو ضايقها ، لكنه أيضا أول الغاضبين على الأوضاع الخاطئة وما أكثرها ، في الليل المظلم حيث يحلو لأحدهم معابثة فتاته متسترا بالظلام وبحاجز الكوبري ، لكنه يراهم من البحر ، ويغلي الدم في عروقه لمثل هذه المناظر التي تخالف الدين وتخالف العادات والتقاليد التي نشأ عليها ، وإذا كان البعض ممن يعرفهم هو شخصيا يستغل هذا الموقف لابتزاز الرجل فإنه يسارع لتلقينه درسا قاسيا يجعله يندم أن أتى لهذا المكان ولا يفكر أن يعود إليه ثانية ، خاصة مع ذراعين مفتولي العضلات أنمتهما مهنته في التجديف فيمكنك أن تتخيل الدرس القاسي الذي يتلقاه الشاب الذي تسول له نفسه ارتكاب الخطيئة ، يقول لي بتعجب : ما الذي حدث في الدنيا ، كأننا في بلاد الخواجات ، عالم لا تختشي وليس لديها حياء .
في جعبته الكثير من الحكايات لا أشعر معه بمرور الوقت ، خاصة في الصيف حيث يصفو الجو وتهب نسائم البحر ، حكى لي كثيرا عن نفسه وعما صادفه من عجائب ، أسأله كثيرا أن يحكي لي قصته وقد حكاها لي عشر مرات على الأقل وكل مرة يقول لي لقد قصصتها عليك من قبل فماذا تريد منها ، أقول له : إنني أستمتع بها جدا لا أخبره بالسبب الحقيقي أنني كل مرة أستذكره القصة حتى أكتبها لجمالها غير أنني أنسى معظم تفاصيلها فلا أجد مفرا من استعادته إياها حتى أتذكرها ، اليوم قررت أن أقصها عليكم قبل أن أنساها مرة أخرى ، لكن لا تعتمدوا عليها لأني سأكمل الفراغات من عندي والأفضل أن يقصها عليكم بنفسه.
قال لي : لم أكن هكذا في شبابي ، أقاطعه أنك ما زلت شابا في الثلاثينيات فأي فترة تتحدث عنها ، يقول لي في بداية شبابي ، نحن كبرنا واشتعل الرأس شيبا .
استحثه أن يكمل يقول : هل تصدق أني كنت عضوا في عصابة كبيرة ؟
أقول له : لا أصدق فلا يبدو عليك هذا فقد عهدتك شهما طيبا أمينا.
قال وهو يشرد بعيدا في الماضي : لم يكن الحال هكذا في الماضي ، كنت عضوا في عصابة متخصصة في سرقة الفلل والشقق الفاخرة ، عصابة كبيرة منظمة لها رئيس ولكل منا دور معين يؤديه ويرسمه له الزعيم فهذا متخصص في مسح الشارع وهذا يرسم الخريطة ، وهذا يجمع المعلومات عن الشقة المراد سرقتها ، وهذا يعالج الأبواب ، وهذا يخزن المسروقات وهذا يبيعها ، وهكذا وكان دوري تأمين أفراد العصابة أثناء السرقة وإنذارهم في الوقت المناسب في حالة حدوث ما لم يكن في الحسبان ، ظللت حوالي عام حتى سرقنا تلك الفيللا المشؤومة ، وكانت للواء كبير سابق في الداخلية ، فجن جنونه ولم يرتح حتى يوقع بالعصابة التي سرقته ، لكن لم يكن غضبه لسرقة المجوهرات والأموال فهي تافهة بالنسبة لهؤلاء القوم لكنه غضب لمركزه كيف يتعرض مثله للسرقة وفي نفس الوقت كان هناك شيء ثمين جدا في المسروقات عبارة عن سيف أثري ، وهذا السيف الملعون هو ما أوقع بنا حين أردنا بيعه ، ولأن كل فرد فينا حلقة في سلسلة فبتداعي إحدى حلقات السلسلة لا بد أن تتداعى بقية الحلقات وقبض علي .
وماذا حدث بعد يا عم محمد؟
قال : لا أعلم حتى الآن كيف خرجت من هذا الموقف غير أن ستر الله رافقني وأقسمت إن نجاني الله من هذا الموقف ألا أعود إلى السرقة ثانية وأن أعتزل هذا الطريق .
قلت له احك لي كيف خرجت ، قال بكل بساطة كنت في قسم شرطة قصر النيل تمهيدا لترحيلنا للنيابة ، لم يكن معي أي إثبات شخصية وواقف مع بقية المتهمين ، وجدت أميني الشرطة متشاغلين مع بعضهما بالحديث أخذت أتسلل ببساطة حتى خرجت من الغرفة ، لا أحكي لك عن هذا الموقف لأنك لا تستطيع تخيله ولا تستطيع تخيل كيف كانت دقات قلبي في هذا الموقف ولا أعرف كيف خرجت ومشيت بهدوء داخل القسم دون أن ألتفت حولي أو خلفي بكل بساطة كأني مواطن ذهب لتقديم بلاغ ، وخرجت من باب القسم دون أن يشتبه بي أحد ، وما إن تملكت الشارع حتى أطلقت لساقي العنان ، وقلت : الجدع فيهم يلحق بي ، ولعلمك يا أستاذ عماد ، أنا لو دخلت مسابقة جري لن يلحق بي أي إنسان ، لقد كنت في صغري بطل القرية في "الأستغماية" وأذكر أني كنت طفلا وظل أبي يطاردني ويجري خلفي ليضربني ثلاث ساعات كاملة حتى فقد وعيه وغشي عليه من التعب دون أن يلحق بي بعد أن جعلته يقطع شوارع القرية كلها خلفي دون أن يلحق بي.
ضحكت بشدة ، ثم قلت له أكمل يا عم محمد.
قال : في المرة القادمة إن شاء الله حتى أضمن أن تكرر زيارتك.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
هناك ٧ تعليقات:
مبروك يا عمدة على المدونة و ادعوك لزيارة مدونتي
www.anwar1919.blogspot.com
و ارجو ان القاك على المسنجر قريبا
أيها الكائن البديع
وكأنك في حضن هذا العالم المحتل إلا من حدوثك تنحت بيت مزدحم بعرائش خضراء تنشر أردية من روح بوحك الجميل
لله درك
ملكة سبأ
ملكة أنت في اختيار كلماتك لا يمكنني مجاراتك ، اشكرك كثيرا فقد اسعدتني كثيييييييييرا كلماتك واخجلني إطراؤك في نفس الوقت ، أتمنى أن تكوني زائرة دائمة للمدونة
أيها الجميـــــــل بكل مافيك
مساؤك الضوء مرشوشاً عليه سنا روحك الطاهرة
لأنك النبع ياسيدي ، تظن أن النور يأتيك من البعيد... فالمفردات التي تواضعت ودعيت عدم استطاعتك مجاراتها تبدو لي هزيلة ركيكة حين أضعها بجانب لغتك الرائعة ، والتراكيب لوحة غير متقنة حين أقارنها ببهاء كلماتك البديعة،
وأحرفي ليست سوى شظايا قمر يرضع من شموس أبحديتك المدهشة .
دام إبدعك أيها المطـــــــــــــــر الذي لايكف عن الهطول
ملكة سبأ
لا أدري سيدتي أينا النبع وأينا يستقي ضوء لغته ممن ، أراك بالغت كثيرا في الرفع من شأن كلماتي والتواضع في شأن كلماتك ولو انصفت لعكست الضمائر ليصير المخاطب متكلما والمتكلم مخاطبا ، لكن عامة مرورك مشكور وتعليقك زان الموضوع رغم أنه أكبر منه لكن لا أملك إلا شكرك.
ومن منا يملك شيء ؟
رحلة طويلة وحكايات كثيرة وأحلام عقيمة
أشكرك عزيزتي على المرور والتعليق
إرسال تعليق