الخميس، ٢٨ مايو ٢٠٠٩

امسح دموع نفاقك يا فضيلة المفتي

طلع علينا المفتي بوجه حزين ونبرات باكية ودمعات كاذبة ينعي حفيد رئيس الجمهورية ، وكم كان نبيلا أن نرى هذا الموقف الإنساني الرائع أن نرى المفتي يبكي لوفاة طفل شفقة وحنانا وتأثرا ، ومواساة لأهله ، كان جميلا أن نرى المفتي من برجه العاجي يشارك الناس أحزانهم وأتراحهم ...لكن كان الأجمل لو كان هذا صدقا وحقيقة لكن الحقيقة أن فضيلة المفتي هو أكبر منافق شهدته البلاد ، وقبل أن يتهمني أحد بأني أشق عن قلبه وأحكم لا عن بينة أقول لكم أمهلوني قليلا حتى أكمل كلامي ثم احكموا بعد انتهاء المقال.لا شك كلنا تأثر لوفاة طفل هو في النهاية ما زال في طور البراءة لم يرتكب وزرا يحاسبه الله عليه ، تأثرنا له ولمصاب الموت مثلما نتأثر لوفاة أبنائنا في فلسطين وفي العراق وفي كل مكان ، لكن العجيب أننا لم نر هذه المشاعر من المفتي من قبل ، لم نر المفتي ذرف دمعة واحدة على أبنائنا في غزة وقد ضربوا بالفسفور الأبيض ولقوا أبشع الميتات دون أدنى قدر من الإسعافات الأولية ، مات أبناؤنا هناك ولم يجدوا أمهر الأطباء يسارعون لمحاولة إنقاذهم ، ولم يجدوا طائرات تطير فورا بهم إلى فرنسا لعرضهم على أكبر الأخصائيين ، ماتوا في صمت وفي بشاعة والصور تحكي عنهم أبشع ما يتخيله المرء في كابوس ، ولم نر دمعة واحدة ذرفها المفتي أو كلمة مواساة واحدة ، ودعنا لا نبتعد كثيرا فربما كان المفتي لا يتابع نشرات الأخبار ولم يعرف بما حدث لإخواننا في غزة ، منذ شهور قليلة غرق مركب يقل عشرات المصريين في طريقهم إلى إيطاليا ، وبكى الشعب كله هؤلاء الشباب الذين ماتوا في ريعان الشباب ، وبكوا ظروفهم التي اضطرتهم لهذا ، ورحمهم الجميع ، لكن أبدا لم يرحمهم المفتي ، لم يرحم أحزان أهلهم ، ولم تهتز منه شعرة لمصابهم وليتهم التزم الصمت فلم ينطق بخير أو شر ، بل خرج علينا كالمتشفي ، لابسا رداء الدفاع عن الإسلام وهو لعمري رداء فضفاض عليه لا يليق به ، خرج متشفيا ينكأ جراح أهله ليقول لهم لا تحتسبوهم شهداء عند الله فهي ليست شهادة ما دامت هجرة غير شرعية ، لم يرحم ذويهم ، ولا أسرهم ، ولا ذرفت منه الأحداق ولا وجل منه الفؤاد ، ولا نطق لسانه بكلمة تعزية واحدة لأهلهم المفترض أنهم أهله ناسيا أنهم أبناء هذا البلد الذي يأكل من خيره ويعيش في جواره ، رافعا راية الإسلام ، أين كانت رحمتك هذه يا فضيلة المفتي ، أين كانت دموعك وقتها ولو كذبا ، ما دمت تجيد ذرف الدموع كما رأينا ، وتجيد تقديم كلمات التعازي كما سمعنا؟أقول إن فضيلة المفتي إما أكبر منافق شهدته البلاد طوال تاريخها ، أو أنه أحقر أناني رأته عيناي ، وهما قضيتان لا ثالث لهما يا فضيلة المفتي ، إما أن دموعك كاذبة ذرفتها نفاقا مفضوحا وهو عهدنا بك وظننا فيك لما رأيناه منك ، وإما أن دموعك صادقة ذرفتها تأثرا ، وهذا يعني أنك شخص لا يرق قلبه سوى لأسياده ، وأنك ترى أنهم أبناء السادة وهم فقط البشر وبقية الشعب رعاع عبيد لا قيمة لهم ، ولا يستحق موت مائة أو ألف أو حتى مليونا دمعة واحدة منك ، فأيهما أنت يا فضيلة المفتي ؟؟لذا أقول لك جفف دموع النفاق يا فضيلة المفتي ، فقد أصابتنا بالغثيان ونفاقك أصابنا بالاشمئزاز ، وحسبنا الله ونعم الوكيل يا فضيلة المفتي.

عزازيل

انتهيت مؤخرا من قراءة رواية عزازيل لكاتبها المبدع الدكتور يوسف زيدان ، طبعا الرواية غنية عن التعريف خاصة بعدما فازت بالجائزة العالمية لأفضل رواية عربية هذا العام ، وطبعت الطبعة السادسة ، الرواية من إصدار دار الشروق ، ولعل السبب في شهرة الرواية من وجهة نظري هو الضحة التي أثارتها الكنيسة المصرية ضد الرواية ورفعهم دعوى قضائية ضد يوسف زيدان مطالبين بمصادرتها ، ويوسف زيدان لمن لا يعلم هو رئيس قسم المخطوطات بمكتبة الإسكندرية ، وهو رجل له ثقله ومعروف كباحث وعالم وهذه هي روايته الأولى التي يدخل بها عالم الشهرة والإبداع الروائي من أوسع أبوابه..الإبداع الذي أقصده هنا هو المدخل الذي اتخذه يوسف زيدان لكتابة الرواية فهو أسلوب فريد مبتكر يجمع بين الحقيقة والخيال والإبداع ، القصة أصلا تستند إلى مخطوطات سريانية حقيقية عثر عليها المؤلف ، فصاغ أحداث القصة في قالب روائي يستند لتلك المخطوطات ويناقش أصول الديانة المسيحية والخلاف الكنسي القائم بين قساوستها في القرن الرابع الميلادي ، الرواية يقدمها يوسف زيدان على أنه مترجم عثر على مخطوطات مكتوبة باللغة السريانية لراهب مصري قديم اسمه هيبا ، ثم يبدا في سرد المخطوطات ، قد يبدو الاسم في البداية بعيدا عن مضمون القصة حيث اختار لها المؤلف (عزازيل) وهو أحد اسماء الشيطان باللغة العبرية ، لكنه له دور فلسفي مهم جدا يتبدى في حوارات ومجادلات هيبا مع عزازيل في طيات الرواية..الرواية تناقش تاريخ كنيسة الإسكندرية أثناء تولي أسفقيتها الأسقف كيرلس وتقدم أحداثا تاريخية معلومة في محاربته للعم وقتل العلماء في وقته بدعوى أنهم وثنيون وهدم المعابد وقتل الفلاسفة ومن يفكر في دراسة الفلسفة والرياضة ، ثم الخلاف الذي ينشأ بينه وبين الأسقف نسطور والعقيدة النسطورية معروفة وهو خلاف جوهري في أصل الديانة حيث كان نسطور يعتقد بأن المسيح بشر وليس إلها ولا ابن إله إنما هو مجلى لكلمة الله ، وعليه فالعذارء ليست ثيوتوكوس (أم الإله) بل هي بشر حيث لا يجوز الاعتقاد بأن الإله ولد ناقصا من رحم امرأة بشرية ، وبدأ ينمو ويحتاج لتغيير القماط ، كان هذا نص كلام نسطور ، وخالف الرأي بالطبع الاسقف كيرلس والكنيسة المصرية واحتدم الخلاف بينهما حتى عقدوا مجمعا مسكونيا عزلوا فيه الأسقف نسطور وحكموا عليه بالحرم والطرد ، وكذلك فعل نسطور ، حتى حسم الإمبراطور الأمر بالانحياز لصف كيرلس والكنيسة المصرية لعوامل سياسية فاقر عزل نسطور ونفيه ، القصة لا تكتفي بتصوير الصراع الكنسي هذا فقط ، بل لا تغفل الجوانب الإنسانية في حياة هيبا كراهب وهب حياته لمحبة الرب لكنه أيضا كبشر له شهواته وميوله ونزواته والصراع بينه وبين عزازيل ينتصر فيه عزازيل حينا وينتصر فيه الإيمان حينا آخر ، الراهب يعيش قصتي حب واحدة مع أوكتافيا ملطخة بالخطيئة ، ثم يفر من الخطيئة ومن مصر كلها ، والثانية مع مرتا في حلب ويصور الصراع النفسي الرهيب بين حلمه في الرهبنة ومعرفة أصول الديانة، وبين حبه البشري لها ، وفي الحالتين يستسلم هيبا للمقادير تجري كيف شاءت ...القصة لا يمكن الاستغناء عن قراءتها وأنصحكم جميعا بقراءتها ، النسخة الإلكترونية متوافرة والنسخة الورقية من إصدار دار الشروق لمن أحب شراءها.