الخميس، ٢٨ مايو ٢٠٠٩

عزازيل

انتهيت مؤخرا من قراءة رواية عزازيل لكاتبها المبدع الدكتور يوسف زيدان ، طبعا الرواية غنية عن التعريف خاصة بعدما فازت بالجائزة العالمية لأفضل رواية عربية هذا العام ، وطبعت الطبعة السادسة ، الرواية من إصدار دار الشروق ، ولعل السبب في شهرة الرواية من وجهة نظري هو الضحة التي أثارتها الكنيسة المصرية ضد الرواية ورفعهم دعوى قضائية ضد يوسف زيدان مطالبين بمصادرتها ، ويوسف زيدان لمن لا يعلم هو رئيس قسم المخطوطات بمكتبة الإسكندرية ، وهو رجل له ثقله ومعروف كباحث وعالم وهذه هي روايته الأولى التي يدخل بها عالم الشهرة والإبداع الروائي من أوسع أبوابه..الإبداع الذي أقصده هنا هو المدخل الذي اتخذه يوسف زيدان لكتابة الرواية فهو أسلوب فريد مبتكر يجمع بين الحقيقة والخيال والإبداع ، القصة أصلا تستند إلى مخطوطات سريانية حقيقية عثر عليها المؤلف ، فصاغ أحداث القصة في قالب روائي يستند لتلك المخطوطات ويناقش أصول الديانة المسيحية والخلاف الكنسي القائم بين قساوستها في القرن الرابع الميلادي ، الرواية يقدمها يوسف زيدان على أنه مترجم عثر على مخطوطات مكتوبة باللغة السريانية لراهب مصري قديم اسمه هيبا ، ثم يبدا في سرد المخطوطات ، قد يبدو الاسم في البداية بعيدا عن مضمون القصة حيث اختار لها المؤلف (عزازيل) وهو أحد اسماء الشيطان باللغة العبرية ، لكنه له دور فلسفي مهم جدا يتبدى في حوارات ومجادلات هيبا مع عزازيل في طيات الرواية..الرواية تناقش تاريخ كنيسة الإسكندرية أثناء تولي أسفقيتها الأسقف كيرلس وتقدم أحداثا تاريخية معلومة في محاربته للعم وقتل العلماء في وقته بدعوى أنهم وثنيون وهدم المعابد وقتل الفلاسفة ومن يفكر في دراسة الفلسفة والرياضة ، ثم الخلاف الذي ينشأ بينه وبين الأسقف نسطور والعقيدة النسطورية معروفة وهو خلاف جوهري في أصل الديانة حيث كان نسطور يعتقد بأن المسيح بشر وليس إلها ولا ابن إله إنما هو مجلى لكلمة الله ، وعليه فالعذارء ليست ثيوتوكوس (أم الإله) بل هي بشر حيث لا يجوز الاعتقاد بأن الإله ولد ناقصا من رحم امرأة بشرية ، وبدأ ينمو ويحتاج لتغيير القماط ، كان هذا نص كلام نسطور ، وخالف الرأي بالطبع الاسقف كيرلس والكنيسة المصرية واحتدم الخلاف بينهما حتى عقدوا مجمعا مسكونيا عزلوا فيه الأسقف نسطور وحكموا عليه بالحرم والطرد ، وكذلك فعل نسطور ، حتى حسم الإمبراطور الأمر بالانحياز لصف كيرلس والكنيسة المصرية لعوامل سياسية فاقر عزل نسطور ونفيه ، القصة لا تكتفي بتصوير الصراع الكنسي هذا فقط ، بل لا تغفل الجوانب الإنسانية في حياة هيبا كراهب وهب حياته لمحبة الرب لكنه أيضا كبشر له شهواته وميوله ونزواته والصراع بينه وبين عزازيل ينتصر فيه عزازيل حينا وينتصر فيه الإيمان حينا آخر ، الراهب يعيش قصتي حب واحدة مع أوكتافيا ملطخة بالخطيئة ، ثم يفر من الخطيئة ومن مصر كلها ، والثانية مع مرتا في حلب ويصور الصراع النفسي الرهيب بين حلمه في الرهبنة ومعرفة أصول الديانة، وبين حبه البشري لها ، وفي الحالتين يستسلم هيبا للمقادير تجري كيف شاءت ...القصة لا يمكن الاستغناء عن قراءتها وأنصحكم جميعا بقراءتها ، النسخة الإلكترونية متوافرة والنسخة الورقية من إصدار دار الشروق لمن أحب شراءها.

ليست هناك تعليقات: